موقف الإمام أحمد رضا خان رحمة الله عليه من الشيعة

موقف الإمام أحمد رضا خان رحمة الله عليه من الشيعة

إعداد: سيد محمد جلال الدين الأزهري

الأستاذ المشارك: قسم الدراسات الإسلامية, جامعة سادرن بنغلاديش

خطيب, جامع مسافر خانه, نندن كانن, شيتاغونغ.

=====

الحمد لله رب العاليمن والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد!

ففي فجر القرن التاسع عشر الميلادي أنجب التاريخ الإسلامي في الهند زعيما من أكبر زعماء العلم والدين, وقائدا من أعظم قادة الجيل الإسلامي ورائدا من أبرز رواد النهضة الإسلامية الذي له فضل أكبر في نشر الأفكار الصالحة والعلوم القيمة, وشق الطريق السوي في خضم الطرق, إنه أشعل القلوب قلقا واضطرابا على الظروف الراهنة وعرض على الأمة الإسلامية صورة جميلة للبقاء والتعمير,  وكانت مبحث حركة بناء للمجتمع الإسلامي من جديد وفاتحة عهد جديد يتعرف الناس فيه إلى حياة تكون أحسن نموذج لحياة المسلم, ألا وهو الإمام أحمد رضا خان القادري.

هو محمد أحمد رضا بن محمد نقي علي خان بن محمد رضا علي خان بن محمد كاظم علي خان بن شاه محمد أعظم خان بن محمد سعادت يار خان بن سعد الله خان([1])

أسرته: اشتهرت أسرة الإمام أحمد رضا خان القادري في شتى نواحي العلم والمعرفة بين الأوساط العامة والخاصة في شبه القارة الهندية منذ أن هاجر كثير من أفرادها من موطنهم الأم ضواحي “مدينة قندهار” الأفغانية واستوطنوا مدينة “بريلي” بإقليم “أوترابرديش” في عهد الدولة الإسلامية المغولية التي حكمت شبه القارة الهندية ما يقرب من ثلاثة قرون, وهذه الأسرة تعرف باسم “برهيج”([2])

مولد الإمام أحمد رضا خان القادري: ولد في العاشر من شوال عام 1272هـ الموافق الرابع عشر من يونيو عام1856م في حي “جسولي” بمدينة بريلي, الهند([3]). وقد أقدم الإمام أحمد رضا خان القادري في مقدمة مؤلفه الشهير “العطايا النبوية في الفتاوى الرضوية” على ذكر تاريخ ميلاده فيقول: “كانت ولادتي في العاشر من شوال سنة 1272هـ”([4])

وفاة الإمام أحمد رضا خان القادري: في يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر صفر(عام1340هـ) الموافق الثامن والعشرين من شهر أكتوبر(عام 1921م) فاضت روحه الطاهرة بعد عمر امتد به خمسة وستين عاما من الجهاد والمكافحة, ودفن في مدرسته بمدينة بريلي بالهند وتحولت هذه المدرسة إلى مسجد يضم مرقده الذي يزوره اليوم عشرات آلاف  من أحبابه من مختلف أرجاء العالم.([5])

الشيعة من الفرق الضالة المنحرفة الخارجة عن الدين, التي وضع أصولها الأولى ابن السوداء عبد الله بن سبأ اليهودي, فاعتقدت جملة من العقائد الضالة المخالفة لعقيدة الإسلام, كعقيدتها في الإمامة والأئمة والرجعة والبداء والتناسخ والتقية وفي الصحابة الكرام, وشاركها في التستر بحب آل البيت والتشيع لهم لبلوغ المآرب الخبيثة فرقة أخرى من فرق الشيعة هي أكفر منها, ظاهرها الرفض وباطنها الكفر المحض, وهي الرافضة الباطنية التي كان لها حضورها – وما زال – في بعض أقطار العالم الإسلامي.

فإن التفرق والاختلاف في هذه الأمة واقع لا محالة ، يشهد له التاريخ ، وتشهد له نصوصٌ من سنة سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم .فقد قال صلى الله عليه وسلم : إِنَّهُ مَن يَعِشْ مِنكُم بَعدِي فَسَيَرَى اختِلاَفًا كَثِيرًا([6]) وقد وقع الاختلاف في جوانب الحياة السياسية، كما وقع الاختلاف في الفكر والعقيدة، وتمثل ذلك بظهور الفرق في أواخر عهد الخلفاء الراشدين، كالمرجئة والشيعة والخوارج .

والحديث المشهور في افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة شاهدٌ على ذلك .فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ : أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَالَ : أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ.  ([7])

وقد ورد عن جماعة من الصحابة بطرق كثيرة ، أكثرها وأصحها على تحديد عدد الفرق بثلاث وسبعين فرقة .فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الفرقة الناجية بأنها الجماعة ، يعني إجماع علماء المسلمين ، كما وصفها في روايات أخرى للحديث بأنهم ” السواد الأعظم “ ([8]).

وأيضا جاء وصفها بقوله صلى الله عليه وسلم: وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً ، قَالُوا : وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي  ([9])

وقد نهض العالم الهندي الكبير الإمام أحمد رضا خان القادري ليودي ما عليه نحو الدين والعلم,  فأخرج للمسلمين كتبا نفيسة كانت كالمرأة الصافية التي يرى فيها المسلمون وغير المسلمين تاريخ الإسلام على أجمل صوره, وكتبها بقلم نزيه يرعى مهمة الداعية إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن, فكان الإمام أحمد رضا خان القادري واسع الباع, غزير الاطلاع, يعرض لسائر العلوم الإسلامية والعربية ويحكم عليها حكم المحيط بها, والواقف في أسرارها, والعارف بعواملها ومراحلها, فوضح عقيدة الإسلام كما هي دون أية إضافات أو شوائب وتغيير, وبين الحقيقة كما هي, ليروى ظمأ الناس الذين يريدون اكتساب المزيد من المعرفة للإسلام ومذاهبه, وإذا وافق وافق عن بينة أو خالف خالف عن بينة.

انتشرت عقائد الشيعة في شبه القارة الهندية في عصر الإمبراطور المغولي جهانغير(ت1626م), وأنه قد فتح لهم بابه وألان لهم جانبه, وكانوا ذوى حظوظ لديه فيلتفون حوله ويعينونه في نشر العقائد الفاسدة, فرد على عقائدهم الباطلة العلماء الأعلام في عصره وأزاح الستار عن مكرهم وخداعهم, وثار عليهم بما كانوا يفعلون من محو تعاليم الدين ونشر الإلحاد والفسق, فانتهج الإمام أحمد رضا خان منهج سلفه في الرد على الشيعة بالتأليف.

فأما بالنسبة للشيعة بخصوصهم فالذي يتضح لنا بعد مطالعة كتب الفرق وخاصة مؤلفات الإمام أحمد رضا خان القادري نرى أنه: كما أن الشيعة ليسوا جميعا على مبدأ واحد في غير دعوى التشيع, فمنهم الغلاة الخارجون عن الملة الإسلامية بدون شك, ومنهم من يصدق عليهم أنهم مبتدعون متفاوتون في ابتداعهم, فبعضهم أقرب من البعض الآخر. وكذلك أن التثبت في تكفير المعين أمر لا بد منه, إذ ليس كل من انتسب إلى طائفة خارجة عن مذهب أهل السنة في بعض القضايا يحق تكفيره. وهكذا ليس معنى التثبت في تكفير المعين أننا لا نطلق على الطائفة الخارجة عن الحق ألفاظ التبديع والتضليل والخروج عن الجماعة, لأن ذلك الحكم خاص بتعيين الأفراد لا الجماعة عموما, خصوصا من وجدنا نصا فيهم.

فكان اعتماد الإمام أحمد رضا خان القادري في منهجه على أساس ماهية المباحث الكلامية التي غلبت عليها, ميز كل مبحث عن المبحث الآخر, فقسم الشيعة على قسمين رئيسيين, قسم غلا في التشيع حتى خرج عن دائرة الإسلام, وقسم آخر: ينتمي إلى الإسلام ولم يخرج من إطاره فنراه يكفر بعض غلاة الروافض في قولهم برجعة الأموات إلى الدنيا, وتناسخ الأرواح وقولهم بتحريف القرآن والبداء على الله تعالى, لكون هذه العقائد مخالفة لما علم من الدين بالضرورة, كما بدّع بعض الشيعة في تفضيلهم الإمام عليا على الشيخين, ولمخالفتهم بالدلائل التي تثبت العلم الطما نية.

يتضح من نص الإمام أحمد رضا خان القادري: أن بعض الشيعة عندهم مبادئ ثابتة في كتبهم المعتمدة, قررها رجالاتهم المعتبرون القدوة في مذاهبهم, من قال ولو ببعض من تلك المبادئ الشيعية, فلا شك في كفره وخروجه عن الملة الإسلامية. مثل قولهم بتحريف القرآن وغلوهم في أئمتهم وتفضيلهم على الأنبياء وقولهم بالبداء على الله تعالى وغير ذلك.. وأما من لم يقل بتلك المبادئ وكان له اعتقادات أخرى لا تخرجه عن الدين, فإنه تقام عليه الحجة ثم يحكم عليه بعد ذلك حسب قبوله الحق أو رده له.

واحتج أكثر أهل العلم من السلف في تكفير الخوارج وغلاة الروافض ببغضهم وتكفيرهم أعلام الصحابة لتضمنه تكذيب الله سبحانه وتعالى وتكذيب نبيه صلى الله عليه وسلم في شهادتهما لهم بالجنة والمغفرة والرضوان.([10]) فاستنتج الإمام مالك رحمه الله تعالى -في رواية عنه– بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين, قال: لأنهم يغيضونهم ومن غاض الصحابة فهو كافر لقوله تعالى:{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (الفتح: 29)

وممن جنح إلى ذلك من أئمة المتأخرين الشيخ تقي الدين السبكي فقال في فتاويه: احتج من كفر الخوارج وغلاة الروافض بتكفيرهم أعلام الصحابة لتضمنه تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم في شهادته لهم بالجنة وقال: وهو عندي احتجاج صحيح.([11]) ثم يرد السبكي مزاعم من لم يكفر الروافض احتجاجا بأن الحكم بتكفيرهم يستدعي تقدم علمهم بالشهادة المذكورة علما قطعيا. فيقول–السبكي- فيه نظر, لأنا نعلم تزكية من كفروه علما قطعيا إلى حين موته وذلك كاف في اعتقادنا تكفير من كفرهم ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا ([12]) و عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى مَا ليْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ، أَوْ قَالَ: عَدُوُّ اللهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ ([13])

ثم يقول السبكي: وهؤلاء قد تحقق منهم أنهم يرمون جماعة بالكفر ممن حصل عندنا القطع بإيمانهم فيجب أن يحكم بكفرهم بمقتضى خبر الشارع.([14]) وفي السنة للخلال عن أبي عبد الله يقول عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : ” مَنْ شَتَمَ أَخَافُ عَلَيْهِ الْكُفْرَ مِثْلَ الرَّوَافِضِ ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ شَتَمَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَرَقَ عَنِ الدِّينِ ” ..([15]) وفي الشفاء: نكفر كل من قال قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة وبتكفيرهم الصحابة.([16]) ويقول عبد الرزاق: الرافضي عندي كافر.([17]) وعند الذهبي: سئل عبد الله بن الحسن: أفي أهل قبلتنا كفار؟ قال:نعم, الرافضة.([18])

فالحكم النهائي إذا عند الإمام هو: “الرافضي إن فضل أمير المؤمنين عليا على الشيخين فمبتدع, وإن أنكر إمامتهما أو أحدهما فكفره الفقهاء وبدّعه المتكلمون وهو الأحوط, وإن زعم بالبداء على الله تعالى أو أن القرآن الموجود ناقص حرفه الصحابة أو غيرهم, أو أن عليا وغيرهم من الأئمة الطاهرين أفضل عند الله من الأنبياء السابقين-عليهم الصلاة والسلام- كما تفصح به رافضة بلادنا ونص عليه مجتهدهم في عصرنا, فهو كافر قطعا وحكمه حكم المرتدين. وقد فصلنا القول في ذلك في رسالتنا “المقالة المسفرة عن أحكام البدعة المكفرة.”([19]) ويقول الإمام أيضا في كتابه المعروف “إعلام الأعلام بأن هندوستان دار الإسلام”: أنهم  يعتبرون مرتدين ما داموا ينكرون أمرا من أمور الدين, فمن أنكر شيئا من ضروريات الدين حكم عليه بأنه مرتد وإن ادعى الإسلام.”([20])

ثم استند الإمام إلى آراء العلماء والفقهاء في تأييد ما ذهب إليه هو فيوضح قائلا: ففي”الفتاوى الهندية”: “يجب تكفير الروافض في قولهم: برجعة الأموات إلى الدنيا وبتناسخ الأرواح وبانتقال روح الإله إلى الأئمة وبقولهم: في خروج إمام باطن وبتعطيلهم الأمر والنهي إلى أن يخرج الإمام الباطن, وبقولهم: إن جبرائيل عليه السلام غلط في الوحي إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم دون علي بن أبي طالب… وهؤلاء القوم خارجون عن ملة الإسلام وأحكامهم أحكام المرتدين. كذا في الفتاوى الظهيرية”([21])

وسئل عن تكفير الروافض, فنقل كفرياتهم ثم قال: “ثبت بالتواتر قطعا عند الخواص والعوام من المسلمين: أن هذه القبائح مجتمعة في هؤلاء الضالين, فمن اتصف بواحد من هذه الأمور فهو كافر…ولا يجوز تركهم عليه بأخذ الجزية ولا بأمان مؤبد. ويجوز استرقاق نسائهم لأن استرقاق المرتدة بعد ما لحقت بدار الحرب جائز.”([22]) ويروي القاضي عياض في الشفاء: “أنهم على رأى من كفرهم بالتأويل لا تحل مناكحتهم ولا أكل ذبائحهم ولا الصلاة عليهم ويختلف في موارثتهم على الخلاف في ميراث المرتد.”([23])

“فمن أنكر شيئا من ضروريات الدين فهو كافر يترتب عليه أحكام المرتد, فليس لهم عهد ولا أمان في دار الإسلام ولا يجوز أخذ الجزية منهم, فهم خارجون عن الإسلام فلا يجوز التآخي والمصاهرة معهم وأكل ذبائحهم ولا الصلاة عليهم وعيادة مرضاهم.([24])

وسئل الإمام عما إذا كان هذا الأمر يتعلق بمن كان في بداية الأمر على عقيدة أهل السنة ثم ابتدع أمثال هذه الكفريات فحكمنا عليه بالارتداد. فما الحكم فيمن ورث هذه البدعات جيلا عن جيل وكابرا عن كابر؟

يجيب عليه الإمام فيقول: “أما من كان في بدأ الأمر مسلما حقا ثم لجأ إلى هذه الخرفات فلا يرتاب في كونه مرتدا, فقد ثبت الإجماع القطعي بهذا القدر من الأمور. وأما التحقيق فيمن اعتقد الكفريات منذ صباه كمبتدع ورث البدعة المكفرة كابرا عن كابر فحكمه كما يلي: فأن الكفار على عدة أنواع, منهم: أهل الكتاب, صح نكاح نسائهم وحل أكل ذبائحهم مع كفرهم. ومنهم من لا تحل مناكحتهم ولا أكل ذبائحهم, ولكنه يجوز أخذ الجزية منهم على مواقفة الصلح والأمان كما تقتضى إليه الضرورة. وإذا  تغلبنا عليهم بعد الخيانة الصادرة منهم يجوز لنا استرقاق نسائهم كغنائم الجهاد, إلا أنه لا يجوز لنا أن نكرههم ونجبرهم على قبول الإسلام. لهم دينهم ولنا ديننا. وهؤلاء هم المشركون حقا.

أما من ورث البدعة المكفرة من الآباء والأجداد, فالمذهب الصحيح المعتمد عليه: أنهم مرتدون مطلقا في ضوء الشرع المتين سواء كانوا ورثوا هذه البدعة المكفرة جيلا عن جيل أو كانوا مسلمين ثم ابتدعوا هذه الأفكار أو اعتنقوا هذه النحلة, فلا فرق بينهم بأي وجه. القدر اللازم في إثبات الكفر هو: أنه من أنكر شيئا مما ثبت من الدين بالضرورة, حكمنا عليه بأنه مرتد قطعا وإن ادعى الإسلام وأقر بالشهادتين.”([25])

فالقاعدة العامة في التكفير والتبديع لدي الإمام هي:”ما من بدعي أنكر شيئا من ضروريات الدين فهو كافر بلا ريب إجماعا, وإن نطق بالشهادتين مائة ألف مرة وسوّد جبينه بكثرة السجود وانكسر جسده بكثرة الصيام والصلاة ولو أنفق بقدر ألف جبل من الذهب في سبيل الله…والله لن يقبل من أعماله شيئا حتى تاب وآمن بكل ما جاء به صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى وثبت قطعيا.”([26]) هذا هو حكم المرتدين الخارجين عن الإسلام مطلقا.

وقد ألف الإمام أحمد رضا في الرد على الشيعة عشرات من الكتب القيمة, ومن هذه المؤلفات:

  1. الأحاديث الراوية لمجد الأمير معاوية.
  2. وجه المشوق بجلوة أسماء الصديق والفاروق.
  3. لمعة الشمعة لهدي شيعة الشنيعة.
  4. الأدلة الطاعنة على آذان الملاعنة.
  5. مطلع القمرين في إبانة سبقة العمرين.
  6. حاشية تحفة اثنا عشرية.
  7. رفع العروش الخاوية عن الأمير معاوية.
  8. غاية التحقيق في إمامة على والصديق.
  9. إظلال السحابة بإجلال الصحابة.
  10. ذب الأهواه الواهية في باب الأمير معاوية.
  11. أعلام الصحابة الموافقين لأمير معاوية.
  12. فضائل الفاروق.
  13. أعالي الإفادة في تعزية الهند وبيان الشهادة.
  14. رد الرافضة.

وغيرها من المؤلفات المستقلة في الرد على الشيعة التي تفتخر بها المكتبة الإسلامية ويستمد العلماء والباحثون منها ويعتمدون عليها في الرد على الشيعة. ولا تزال هذه المؤلفات مصدرا للدعاة والعاملين المخلصين, ورائدا للباحثين عن الحق والسالكين في جادة السلوك والمعرفة وزينة للمكتبة الإسلامية الزاخرة.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وبارك وسلم والحمد لله رب العالمين.

[1]– سوانح الإمام أحمد رضا (حياة الإمام أحمد رضا) للعلامة بدر الدين أحمد. ط: مكتبة نورية رضوية, سكهر, باكستان سنة: 1407هـ1978م. ص93

[2]– حيات أعلى حضرت(سيرة الشيخ الأكبر) للشيخ محمد ظفر الدين البهاري.  ج1ص2.

[3] – حيات أعلى حضرت: ج1ص1

[4] – العطايا النبوية في الفتاوى الرضوية: ج1ص87-88 ورسائل رضوية ج2ص32

[5]– سوانح الإمام أحمد رضا للأستاذ بدر الدين أحمد: ص: 391

[6]رواه أبو داود ( 4067 )

[7] رواه أبو داود ( 4597 ) وغيره وصححه الحاكم ( 1 / 128 ) بل قال : إنه حديث كبير في الأصول ، وحسنه ابن حجر في ” تخريج الكشاف ” ( 63 ) ، وصححه ابن تيمية في ” مجموع الفتاوى ” ( 3 / 345 ) ، والشاطبي في ” الاعتصام ” ( 1 / 430 ) ، والعراقي في ” تخريج الإحياء ” ( 3 / 199 ) وتوارد على ذكره والاستشهاد به أهل العلم في كتب السنة ،

[8]كما في حديث أبي أمامة وغيره عند ابن أبي عاصم في ” السنَّة ” ( 1 / 34 ) والطبراني في ” المعجم الكبير ” ( 8 / 321 ) بإسناد حسن لغيره

[9]كما في حديث عبد الله بن عمرو عند الترمذي ( 2641 ) وحسَّنه ، وحسَّنه ابن العربي في ” أحكام القرآن ” ( 3 / 432 ) ، والعراقي في ” تخريج الإحياء ” ( 3 / 284 )

[10]– راجع: المبحث المخصص لبيان موقف الإمام أحمد رضا خان القادري عن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

[11]–  فتح الباري: 12/299-300 ورد الرافضة للإمام أحمد رضا القادري. ص7-8

[12]– البخاري: كتاب الأدب ورقمه:81. باب من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال, ورقمه:73 رقم الحديث:5752 ج:5 ص:2263. ومسلم: كتاب الإيمان ورقمه1. باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم يا كافر, ورقمه:26 رقم الحديث:60 ج1 ص79)

[13]-مسلم: كتاب الإيمان. ورقمه 1. باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم, ورقمه:27. رقم الحديث:61ج1 ص79.

[14]– راجع: نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار للشيخ محمد بن علي بن محمد الشوكاني (1255هـ). ط: في1973م. دار الجيل, بيروت. ج7 ص351

[15]– أخرجه الإمام الخلال في السنة. باب ذكر الروافض: ج3 ص493. رقم الحديث:780

[16]– راجع: فيض القدير شرح الجامع الصغير. ج4 ص127 ط1 في (1356هـ). المكتبة التجارية الكبرى, مصر.

[17]– راجع: سير أعلام النبلاء: 14/174 وراجع: ميزان الاعتدال في نقد الرجال: 4/345 وراجع: الكامل في ضعفاء الرجال:5/31.

[18]– سير أعلام النبلاء: 3/310

[19]– فتاوى الحرمين لرجف ندوة المين للإمام أحمد رضا خان القادري, ص10 وراجع: المقالة المسفرة في أحكام البدعة المكفر. للإمام أحمد رضا القادري. ط1 في1405هـ, المكتبة الرضوية, لاهور, باكستان

[20]– المقالة المسفرة في أحكام البدعة المكفرة. ص21. وراجع: إعلام الأعلام بأن هندوستان دار الإسلام. ص32

[21]-إعلام الأعلام بأن هندوستان دار الإسلام للإمام. نقله إلى العربية الأستاذ محمد شمس الهدى المصباحي– الأستاذ بالجامعة الأشرفية بمبارك فور, أعظم كره. يوبي, الهند.- ص 28. ط1 في عام: 1420هـ, مركز أهل السنة بركات الرضا, فور بندر, غجرات, الهند.

[22]– فتاوى الحرمين لرجف ندوة المين للإمام أحمد رضا: ص 28/29

[23]– السابق: ص29

[24]– السابق: ص29-30

[25]– السابق: ص27-28

[26]– السابق: ص21

Share:

Leave Your Comment